
جَهَنم
إن جهنم عاقبة الكافرين والظالمين والعاصين، وكما عجز البشر عن وصف نعيم الجنة فهم عاجزون أيضاً عن وصف ألم جهنم وعذابها فمهما حاولنا تقريب الأمر إلى الأذهان فسوف تكون الحقيقة آلم وأوجع وأفظع.
فهي النار الكبرى وهي العذاب الأليم وهي تعبير غن غضب الله العلي القدير وهو مأوى الذين آثروا الدنيا على الآخرة والهوى على الهدى وأطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن واتخذوا الدنيا مقراً ولم يتخذوها ممراً، وقد طالما حذرنا القرآن منها معبراً عنها بأسوأ المصير وأسوأ المقر، وقبل البدء بالحديث عن جهنم نتبرك بذكر بعض الآيات التي تحدث عن جهنم وتحذرنا منها، فالذين دعاهم الرسل إلى الحرب في سبيل الله واتنعوا عن الخروج بحجة الحر الشديد فيتوعدهم الله بحر أشد من حر الدنيا فيقول(وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) يعني أن الأمر بحاجة إلى شيء يسير وقليل من التأمل في عذاب جهنم ويصل الإنسان بعدها إلى نتيجة واضحة تحثه على الطاعة والإبتعاد عن المعصية لأنه لو حُكم عليه بدخول النار فلن يجد من يخلصه منها إلى الأبد، وفي سورة الإسراء يتوعد الله الكافرين بعذاب جهنم فيقول(وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) أي مقراً لهم ولجلوسهم الأبدي فيها، وفي سورة الكهف(وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) وفي سورة مريم(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ونتوقف هنا عند قوله سبحانه(وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) فهل هذا الحكم يشمل الجميع من المؤمنين والكفار والعاصين، وإذا كان شاملاً فما هو معنى الورود عليها وهل يشعر المؤمنون بألمها؟ هذا سؤال طرحه كثير من الناس فمن فهم الجواب من جهة خاطئة وقع في المحظور تجاه العدالة الإلهية التي لا يُظلم بها أحد من العباد.
ونحن نؤمن بأن المؤمن لا تمسه النار ولا يشعر بحرارتها بل يراها وينظر إليها ليعلم قيمة العطاء الإلهي له حيث أنقذه من تلك النار الكبرى التي لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذّب وتولى ويتجنبها الأتقى كما أخبرنا القرآن الكريم، فالمؤمن يسير فوق النار على الصراط من دون أن يتأذى بشيء منها، أما مستحق النار فسوف يهوى في قعرها ويذوق عذابها وه معنى قوله تعالى(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) وأما معنى الورود فهو المرور بجنب الشيء كما يحدثنا القرآن في سورة القصص عن كليم الله موسى(ع) حيث يقول(وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) فهو لم يمشي على الماء أو في الماء وإنما مر من أمامه فعبّر القرآن عن ذلك المرور بالورود زكذلك المؤمن في يوم القيامة يرد النار بمعنى أنه يمر بجانبها ليشكر نعمة الله عليه.
ثم يعظنا القرآن في النار فيقول(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) ويقول أمير المؤمنين(ع) : إنها نار لا يهدأ زفيرها ولا يُفك أسيرها ولا يُجبر كسيرها حرها شديد وقعرها بعيد وماؤها صديد:
وقال(ع) :إحذروا ناراً قعرها بعيد وحرها شديد وعذابها جديد دارٌ ليس فيها رحمة ولا تسمع فيها دعوة ولا تُفرّج فيها كُربة:
ويصف الإمام نار جهنم فيقول: فكيف أستطيع الصبر على نار لو قَذَفَت بشَرَرَةٍ إلى الأرض لأحرقت نَبتَها:
ويقول الإمام الباقر(ع) :إن أهل النار يتعاوون فيها كما يتعاوى الكلاب والذئاب مما يلقون من ألم العذاب…كليلةٌ أبصارهم صم بكم عمي مسودة وجوههم، خاسئين فيها نادمين: وإلى هذا يشير القرآن بقوله(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ) وقال سبحانه(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) وقال تعالى(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)
من هم حطب جهنم ووقودها
يقول تعالى في سورة التحريم(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي سورة الجن(وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا)
إن النار أمر عظيم وخطب جليل وحدث فظيع وكل ما ورد في القرآن من شأنها يجب أن نتخذه موعظة ولذلك لن أطيل الشرح فالأمر ليس بحاجة إلى شروحات وبيانات فيكفينا موعظة في ذلك أن جهنم تعبر عن غضب الله الذي كان نفس غضبه عليك أشد من ناره، ولذلك سوف نكتفي بذكر بعض الآيات التي حدثتنا عن النار وبعض الروايات الواردة في هذا الشأن.
قال تعالى في سورة الحجر(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) وفي سورة طه(إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى) وفي سورة المؤمنون(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) وفي سورة العنكبوت(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وفي سورة الملك(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ)
وفي سورة النبأ(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلْطَّاغِينَ مَآبًا لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاء وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا) وفي سورة الزمر(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) وفي سورة الصافات(أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ)
قال علي(ع) :إعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار فارحموا نفوسكم فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والعثرة تدميه والرمضاء تحرقه فكيف إذا كان بين طابِقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان:
وقال(ص): لو أن سربالاً من سرابيل أهل النار عُلّق بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه: وقال تعالى(لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ)
الشيخ علي فقيه



